اللاجئين

شيماء منير: تحديات بقاء الأونروا وتعزيز صمود اللاجئين الفلسطينيين

شيماء منير * 7-3-2023: تحديات بقاء الأونروا وتعزيز صمود اللاجئين الفلسطينيين

شيماء منير

على الرغم من التفاؤل “الحذِر” بتجديد التفويض في ديسمبر 2022 لـ”وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)، لمدة ثلاث سنوات، إلا أن أزمة التمويل تُعد من أهم التحديات التي تواجهها في مناطق عملها الخمس: الضفة الغربية- والتي تشمل القدس الشرقية-، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، خاصة وأن عددًا من المانحين أعلنوا رسميًا بأنهم لن يزيدوا مساهماتهم في ميزانية الوكالة لهذا العام 2023.

وتزامنًا مع أزمة التمويل، قدم أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون في 15 فبراير الفائت (2023)، أثير حوله العديد من الانتقادات، وتم اعتباره إحدى صور إحياء صفقة القرن، لما يشتمله من بنود تسعى لإنهاء دور الأونروا، وذلك من خلال إعادة النظر في تفويض الوكالة، وخدماتها، وإعادة تعريف “اللاجئ الفلسطيني”.

ويثير ذلك تساؤلات عدة حول دلالات توقيت طرح هذا المشروع، خاصة مع إحكام الصهيونية الدينية على مراكز القرار الإسرائيلي مع إعطاء الأولوية للاستيطان والضم ليفتح الباب مجددًا على مخاطر تهجير جديدة ونكبة أخرى للشعب الفلسطيني، وما هو المغزى من محاولة إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني؟، وهل هناك بدائل يمكن من خلالها تعزيز عوامل صمود الأونروا، وعدم تعرضها لابتزاز الممولين، والتصدي لمحاولات تفكيكها، خاصة وإنها تعد الشاهد القانوني والسياسي على الحق التاريخي للاجئين في العودة إلى ديارهم؟

 أزمة التمويل والمشروطية السياسية

حظى ملف اللاجئين الفلسطينيين باهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في الوقت نفسه الذي لم تعترف فيه إسرائيل منذ نشأة الأونروا، في عام 1949، بمسئوليتها عن تهجير الفلسطينيين، وعدم قبول عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم، مع مساعي مستمرة لتحريف دورها من أجل توطين اللاجئين ودمجهم في مناطق اللجوء، ومحاولة تحريض الدول المانحة، ضد الوكالة من أجل وقف دعم الأونروا.

ويمارس اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دورًا مؤثرًا للتعجيل بوقف مساهمتها في الأونروا، كأداة ضاغطة عليها من أجل إنهاء دورها. وتمت ترجمة ذلك بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2017 بوقف التمويل الأمريكي للأونروا، ثم جاءت بنود صفقة القرن لتشمل استهدافًا مباشرًا للوكالة، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، مع نصها على أنه “لا عودة للاجئين الفلسطينيين، مع طرح خيارات للتوطين، ووضع قيود على عودة للاجئين إلى دولة فلسطين المرتقبة”.

وعلى الرغم من التفاؤل الفلسطيني بحدوث انفراجة في أزمة تمويل الأونروا، بعد فوز بايدن بالرئاسة حينما تم استعادة جزء من التمويل الأمريكي (235 مليون دولار)، بعد انقطاع استمر لمدة ثلاث سنوات، إلا أنه قد تبين أنه كان مجرد تغيير في تكتيكات التضييق على “الأونروا” يقضي بأن إحكام مراقبتها، وقيامها بدور شبه استخباراتي لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل أفضل من المنع الذي اتبعه ترامب، واتضح ذلك في اتفاق “إطار العمل للتعاون 2021-2022” الذي وقعته الأونروا مع وزارة الخارجية الأمريكية، في 16 يوليو 2021، من أجل عودة التمويل الأمريكي، وما تضمنه من شروط تحت مسميات “الحيادية”، و”الموضوعية”، جاء في مقدمتها مراقبة كافة مؤسسات الأونروا، من خلال تقديمها تقارير مالية وأمنية ربع سنوية، للإطلاع على كل تفاصيل عمل الوكالة، مع استثناء بعض الشرائح من اللاجئين من الدعم المُقدم إليهم تحت ذريعة انتماءهم لفصائل المقاومة الفلسطينية أو تأييدهم للمقاومة. فضلًا عن إحكام السيطرة على الموظفين بالأونروا، من خلال التأكيد على ضرورة الحيادية التي تعني من وجهة نظر الولايات المتحدة التخلي عن دعم القضية، ونبذ المقاومة حتى لا يتعرض الموظف للمحاسبة والفصل من وظيفته. فضلًا عن طمس الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال اشتراط مراقبة المناهج الدراسية الفلسطينية، وحذف وشطب أي محتوى لا يتناسب مع وجهة نظر إسرائيل[1].

وتزامنًا مع توظيف ورقة التمويل المشروط سياسيًا للأونروا، والتلويح بتجميده إذا لم تتوافق سياسات الأونروا مع الرغبات الأمريكية والإسرائيلية، كانت هناك محاولات أخرى للتحايل على دور الأونروا من خلال البحث عن جهات دولية أخرى تقوم بتقديم الخدمة نيابة عنها، تحت ذريعة حل مشكلة التمويل، وهذا ما أعلنه فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، في 23 أبريل 2022، في رسالة إلى اللاجئين الفلسطينيين، بشأن دراسة خيار قيام برامج ومؤسسات أخرى بتقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها. وكان من بين تلك الهيئات المقترحة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين. وتكمن خطورة ذلك في كونه يمثل تحايلًا على قضية اللاجئين الفلسطينيين حتى تصبح مجرد قضية إنسانية، تتعلق بالإغاثة والصحة والتعليم وغيرها، ومن ثم عزلها عن البعد السياسي المرتبط بحق عودة اللاجئين إلى الأماكن التي هجروا منها، وفقًا للقرار رقم (194) بما يعني نزع الشرعية عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي تجاهله في أي تسوية مرتقبة للقضية.

مغزى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني

من أجل تقنين اتفاق الإطار واستدامته، يأتي مشروع القانون الأمريكي الذي قدمه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ للكونجرس في 15 فبراير 2023، وفي الواقع فإنه يُعد أشمل من بنود اتفاق الإطار لأنه يشتمل على العديد من البنود التي تعد بمثابة دعمًا وتعزيزًا للسياسات الإسرائيلية الراهنة في الأراضي الفلسطينية، من خلال التأكيد على علاقة اليهود التاريخية بأرض إسرائيل، وإضفاء صفة قانونية ملزمة على مصطلح معاداة السامية الذي يطابق بين معاداة اليهود وبين معاداة السياسات الصهيونية وإسرائيل، وبالتالي تجريم مقاومة الاحتلال والاستيطان، وتجريم وصف الإسرائيليين بالمحتلين والمستوطنين، بالإضافة إلى تجريم الدعوة لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.

وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين، فإن مشروع القانون يطالب بإخضاع خدمات وتمويل الأونروا للإشراف الأمريكي والإسرائيلي، في تجاهل واضح لحقيقة أنها جهة تابعة للأمم المتحدة، ويُفترض أن تحظى بالاستقلالية. ونظرًا لكون عدد اللاجئين يشكل، وفقًا للرؤية الإسرائيلية، خطرًا وجوديًا على دولتهم، في حال عودتهم، فهناك رغبة في التخلص من العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين يُقدّر عددهم وذريتهم، وفقًا للبيانات المتوافرة لدى الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أكثر من 6.4 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين في سجلات الأونروا، والذين يمثلون أقدم وأكبر مجموعة لاجئين؛ حيث يشكلون أكثر من ربع اللاجئين في العالم، لذلك تضمن مشروع القانون إعادة تعريف للاجئ الفلسطيني لحصره فقط في الجيل الأول الذي تعرض للاقتلاع خلال النكبة، وأزواجهم وأبنائهم القصر، مع إلغاء صفة اللجوء عن أحفاد اللاجئين، على النحو الذي يخالف التعريف المنصوص عليه في الأمم المتحدة بأنّه أي شخص “كان مكان إقامته الطبيعي هو فلسطين خلال الفترة 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948، وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948″، بالإضافة إلى الــ”منحدرين من صلب آباء مستوفين لهذا التعريف”. كذلك نص على نزع صفة اللاجئ عن كل من حصل على وثيقة إقامة دائمة، أو جنسية في مناطق اللجوء، مع تشجيع الدول الممولة للأونروا على وقف مساهمتها في تمويل ميزانية الوكالة. بالإضافة إلى الحث على توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وفقًا لشروط الحفاظ على أمن إسرائيل، ثم تأتي خطورة بند إلزام الدول لاحقًا بالقانون عند إقراره تحت طائلة العقوبات الأمريكية[2].

ويتضح هنا المغزى من خطورة توقيت محاولة الكونجرس الأمريكي التحضير لهذا القانون الذي يسعى للمس بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، تزامنًا مع مخاطر تعرض الفلسطينيين لنكبة أخرى لا تقل في خطورتها عن نكبة 1948، مع وصول حكومة بنيامين نتنياهو السادسة للحكم، ومخاطر تعرض الفلسطينيين لعمليات ترحيل جماعية من أجل تدشين دولة يهودية، وفقًا للأيديولوجيا الصهيونية الدينية، لكل من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والتي تعتمد على “التوراة”، أساسًا يمنح اليهود “الحق” في إقامة وطن قومي في فلسطين، وتدعو للاستيطان في كل أرجاء إسرائيل، وطرد العرب من فلسطين بالقوة. وبالتالي يعد توقيت مشروع القانون مؤشرًا لإعطاء الضوء الأخضر لليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم لاتخاذ قرارات أكثر تطرفًا وعنصرية ضد الفلسطينيين، دون أن يتحمل أي مسئولية قانونية ناتجة عن تهجير المزيد من الفلسطينيين.

تحديات متصاعدة

تأتي محاولات الضغط على الأونروا في وقت حرج يعاني فيه غالبية اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة من تردي الأوضاع المعيشية، والاقتصادية والاجتماعية، مع الارتفاع الهائل في نسب الفقر والبطالة، خاصة في لبنان، فضلًا عن تهالك البنية التحتية من شوارع وصرف صحي.

ومن أبرز مؤشرات الأزمة المالية للأونروا نقص التمويل المالي لعام 2023؛ حيث أطلقت نداءًا للطوارئ لعام 2023 من أجل الحصول على 1.6 مليار دولار. وتتضاعف حدة الأزمة، خاصة مع ترحيل عجز مالي قدره 80 مليون دولارًا من العام الماضي، وهو الأكبر منذ عشرات السنوات التي مضت.

المصدر: نداء الأونروا العالمي 2023، متاح التقرير كامل على موقع وكالة الأونروا، على الرابط التالي: https://bit.ly/3Ir0RFe

ونظرًا لافتقاد الأونروا لموازنة دائمة، فإن عوامل صمودها أمام الأزمات الطارئة تجعلها هشة، مثلما حدث مع التعاطي مع جائحة كوفيد 19، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والنقل بفعل الحرب الأوكرانية، وتراجع الدعم العربي والتضخم العالمي الذي تأثرت به عدد من الدول المانحة، مع تفضيل بعض الدول توجيه جزء من التمويل لمعالجة أزمة اللاجئين المستجدة نتيجة الحرب الأوكرانية. وأخيرًا التبعات الإنسانية التي لحقت بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تضررت بفعل الزلزال الذي ضرب فجر يوم السادس من فبراير 2023 جنوبي تركيا وشمالي سوريا؛ حيث أطلقت الأونروا النداء العاجل يوم الثلاثاء 7 فبراير، للحصول على مبلغ 2.7 مليون دولار، من أجل إغاثة 57 ألف لاجئ فلسطيني في سوريا تضرروا من الزلزال، وقالت إن “هنالك حوالي 438 ألف لاجئ من فلسطين في اثني عشر مخيماً في أرجاء سوريا”. مع العلم بأن الأزمة تبدو أكبر مما أعلنته الأونروا، مع استثناء اللاجئين الفلسطينيين المهجرين في الشمال السوري من المساعدات، مع العلم بأنه يوجد نحو 1700 عائلة فلسطينية تقدر بحوالي 62 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في 4 مخيمات، هي مخيم اللاذقية، ومخيم النيرب، ومخيم عين التل، ومخيم حماة.

إجمالًا، يمكن القول إن الجهات الفلسطينية الرسمية لم تعد فقط أمام تحدي توفير الحماية للفلسطينيين من خطر التصفية والتهجير والاقتلاع من أراضيهم، من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، فهناك خطر آخر يهدد جوهر القضية الفلسطينية، وهو خطر تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال الضغط على الأونروا بفعل ورقة التمويل المشروط سياسيًا، وبالتالي تعرض المخيمات للإهمال والتجويع والإفقار، ليتحقق هدف الفناء الطبيعي بالموت أو من خلال مخططات إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني عبر مشاريع القوانين الأمريكية، التي تستهدف إلزام الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل العمل على إنهاء دور الأونروا، وتحفيز حلفاءها على السير على نهجها، إما بالترغيب أو بالتهديد.

وعلى الرغم من إخفاق الأونروا طوال تاريخ عملها الممتد منذ 73 عاماً في تحقيق هدف العودة، حتى باتت قضية اللاجئين الفلسطينيين أطول قضية لجوء في العالم، إلا أنه لا يمكن إنكار أن بقاءها وصمودها أمام مساعي تفكيكها، ومحاولات التوطين، قد نجح في أن تظل القضية حية، ومازالت تشكل خطرًا تسعى إسرائيل لإنهائه، ولم تكن مسيرات العودة التي سبق وتم تنظيمها من غزة إلا رسالة لإسرائيل بأن العودة مازال حقًا ومطلبًا فلسطينيًا.

ومن ثم، فإن ما تواجهه الأونروا وقضية اللاجئين الفلسطينيين من تحديات تستوجب تحركًا جادًا من جانب الجهات الرسمية الفلسطينية مدعومة بمساندة من جامعة الدول العربية، من أجل تعزيز عوامل صمود الوكالة، والتصدي لأي ضغوط أمريكية تستهدف توطين اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى الضغط الدبلوماسي والقانوني على الأمم المتحدة لإصدار قرار بتمديد مفتوح لمهام الوكالة الدولية، للتخلص من رهن بقاءها بالتمديد الدوري، فضلًا عن إقرار موازنة دائمة تكون جزءاً من موازنة الأمم المتحدة لضمان استقلاليتها، والتحرر من مشروطية المانحين.


[1] أنظر اتفاق الإطار بين الولايات المتحدة والأونروا على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، متاح على الرابط التالي:

https://www.state.gov/2021-2022-u-s-unrwa-framework-for-cooperation

    [2] انظر نص مشروع قانون الكونجرس متاح على الرابط التالي:

https://www.foreign.senate.gov/imo/media/doc/02-15-23_unrwa_accountability_bill.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى