أقلام وأراء

محمد صلاح: سلاح الإخوان يضرب حماس

محمد صلاح 7-11-2023: سلاح الإخوان يضرب حماس

لم تتوقف آلة الحرب التي تدكّ قطاع غزة وتحوّله، كما أهله، إلى أشلاء وبقايا وموت. يبدو أنّ مرور شهر غير كافٍ ليبطل بركان الانتقام لدى إسرائيل، وشهوة التضامن عند الأميركيين، ورجفة التواطؤ الغربي، وقلّة الحيلة لدى العرب.

يصارع الفلسطينيون صواريخ وقنابل وباروداً ورصاصاً وعنصرية ومواقف مخزية لدول لا تتوقف عن الغناء بحضارتها وتحضّرها وقوانينها التي تتعطّل أمام سطوة الراعي الأميركي ودلال الابن الإسرائيلي، ناهيك بتفكّك عربي جعل إعلان الاستنكار بطولةً وإطلاق قذائف الإدانة جسارةً واستجداء القرارات الدولية تفانياً وإخلاصاً وتضامناً.

صحيح أنّ مشاهد الكارثة وأمواج الدماء وحجم الدمار أخرجت التظاهرات في الولايات المتحدة ودول أوروبية، فضغطت على الحكّام والحكومات هناك، الاّ أنّ كل ما تغيّر هو تغليف الصلف والتحدّي والتعنّت والجبروت بغلاف وردي لمواقف قبيحة، فصار من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها، لكن يجب عليها مراعاة قوانين الحرب والإنسانية، وأصبحت هناك رغبة في تدفق المساعدات الإنسانية للفلسطينيين لكن لا وقود لغزة، وصدرت تأكيدات على ضرورة وقف استهداف المستشفيات، لكن قصف سيارات الإسعاف متاحٌ لأنّ “حماس” تستخدمها، أما وقف إطلاق النار، فستستغله “حماس” لإعادة التموضع وترتيب عناصرها ليكرّروا ما جرى قبل شهر، وتكفي الفلسطينيين هدنة لإخراج الرهائن، ويمكنهم عندها أن يتنفسوا.

هكذا تعاطى الكل مع مذبحة يجري بثها على الهواء مباشرة. ومن لا يتحمّل رؤية الفظائع وسماع صراخ الأطفال وأنين العجائز وبكاء الأمهات، فليس عليه أن يجلس امام أجهزة التلفزيون او أن يجول في مواقع التواصل الاجتماعي، أما من تفرّغوا للتلاسن وتبادل الاتهامات من العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، فلبّوا، ربما من دون أن يدروا، ما تتمناه تل أبيب وما يُرضي واشنطن.

على الجانب الآخر، هناك الإعلام الغربي الذي تحوّل إلى ماكينات للدعاية ضدّ العرب والفلسطينيين وغزة والضفة و”حماس” و”الجهاد” وكل شخص أو جهة لا تعترف أنّ “حماس” منظمة إرهابية، وأنّ الفصائل “دواعش”، وأنّ العرب يستهدفون إسرائيل ويريدون رميها في البحر! نعم تحوّلت غزة إلى مساحة يومية في وسائل إعلام غربية لا تخفي غضبها من صمود شعبها والصبر الأسطوري لأهلها، وفي الوقت نفسه لم يعد هدفه البحث عن المعلومات ونشرها أو بثها، أو تحليل المواقف والقرارات وطرح رؤى وأفكار، وإنما تضليل المجتمعات الغربية ذاتها، وتغييب عقول شعوبها وإفسادها. يسأل المواطن العربي البسيط: لماذا تكره غالبية وسائل الإعلام الغربية العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً إلى هذه الدرجة؟ وهل للأمر علاقة بحقبة استعمارية في الماضي أم قناعات ترسّخت لا يمكن أن تخفيها علاقات دبلوماسية أو خيوط مصالحية؟

والحقيقة أنّ بعضاً من الحملات في وسائل الإعلام الغربية عبارة عن إعلانات مدفوعة الأجر، لكن الأخبار والمقالات والتقارير السياسية التحريرية المغرضة ضدّ الفلسطينيين تُمرّر بواسطة أصحاب المؤسسات والعاملين على حدّ سواء، خصوصاً بعدما جرى تهديد هؤلاء الذين حاولوا، مع بداية الحرب، مراعاة الأصول المهنية بإظهار الحقائق.

لا تنشر غالبية وسائل الإعلام الغربي موادَ أو مقالات، ولا الصور والمشاهد، عمّا يحدث في غزة إلاّ لتبييض وجوه الإسرائيليين، أو لإظهار الفلسطينيين، الذين ينتظرون الموت تحت القصف ووسط الدمار، وحوشاً وشياطين. قد يفسّر بعضنا الأمر على أنّ هناك بعض العنصرية التي تتعلّق بنظرة جزء من الغرب عموماً إلى العرب، لكن تحدّي المهنية وتغييب الضمائر والحدّة والإصرار والتكرار في الإساءة إلى الفلسطينيين تجعلك على يقين بأنّ الأمر يتجاوز موروثاً ثقافياً، أو مشاعر قديمة تتجدّد، أو حتى ناتج من انطباعات خاطئة أو معلومات ناقصة. صحيح أنّ ثمة ارتباطاً بين بعض وسائل الإعلام الغربية بأجهزة استخبارات تستخدمها أحياناً للضغط على هذه الدولة أو تلك للحصول على مكاسب سياسية، أو تحقيق أرباح اقتصادية أو حتى انتصارات معنوية، أو لتفادي ردّ فعل غاضب من جانب العرب تجاه المجازر الإسرائيلية مثلاً في فلسطين، لكن أن يتحوّل تناول الإعلام الغربي للأحداث إلى سلوك مستمر مع استمرار الحرب من دون أن يتوقف، فمسألة تتخطّى ألاعيب السياسة أو حتى التعاطف الضمني مع مواقف إسرائيل، فالصورة كاشفة والمجزرة فاضحة، وما يمكن التستر عليه يتمّ فضحه كل ثانية عبر مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التي حرّكت التظاهرات في أميركا وأوروبا، وأفقدت جيل الشباب هناك الثقة في وسائل الإعلام في دولهم.

أكثر ما لفت الانتباه في سلوك الإعلام الأميركي والغربي أنّ الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية، التي استهدفت غزة وأهلها وغطّت على جرائم إسرائيل وجيشها، هي ذاتها التي كانت متحالفة مع تنظيم “الإخوان” الإرهابي، واستهدفت الأنظمة العربية ودافعت عن “الإخوان” وبررت جرائمهم وشكّكت في التهم الموجّهة لهم واستخدمت حقوق الإنسان معولاً تهوي به كل يوم على رؤوس الشعوب العربية، ولم تتوقف أبداً عن تلميع نشطاء استوطنوا مدناً غربية ومنها صوّبوا، برعاية أجهزة استخبارات، فوهات شتائمهم وقصائد سبابهم ضدّ المصريين وكل الدول التي أيّدت إطاحة “الإخوان” عن الحكم في مصر، واتخذت إجراءات ضدّ تمدّد التنظيم وانتشاره وإرهاب عناصره.

التحالف بين وسائل الإعلام الغربية تلك و”الإخوان” ليس سراً بل يدركه الجميع، كما أنّ الطرفين يفتخران به، وتسوّق له المنصات الإعلامية واللجان الإلكترونية “الإخوانية” المنتشرة في العالم، ولا تكف عن نقل التقارير المسيئة لمصر والسعودية والإمارات، ولا تتوقف عن السعي إلى بث الفرقة بين شعوب الدول الثلاث. وحتى بعدما تبخّر حلم “الإخوان” بالعودة الى حكم مصر، وتحوّل كابوساً كبيراً من دون أن تتمكن الجماعة من تجاوز محنتها، لم تتوقف وسائل الإعلام الغربية عن الترويج لـ”الإخوان” واستخدام أكاذيبهم للضغط على الحكم في مصر والتأثير على أوضاع الاقتصاد المصري.

لم يعد السؤال منطقياً: أي طرف باع الآخر واستغنى عن خدماته؟ فـ”الإخوان” يفتقدون بشدّة أحد أهم أسلحتهم، في حملتهم ضدّ مصر الآن، وهو دعم الإعلام الغربي، وذلك السلاح مشغول الآن بشيطنة “حماس” وتجريم الفلسطينيين وتبرئة الإسرائيليين، والمسألة أنّ الشيء عاد إلى أصله وترك، ربما موقتاً، استخدام “الإخوان” لأغراض لا علاقة لها أبداً بالمعايير المهنية للصحافة والإعلام، وإنما تخصّ مصالح الدول الغربية ذاتها، والمصلحة الآن: دعم إسرائيل وتفادي غضب البيت الأبيض، بينما اعتقاد البعض أنّ الإعلام الغربي كان ذراعاً في أيادي “الإخوان” ومعولاً يستخدمه التنظيم وناراً تُشعلها لجانه الإلكترونية، فلا يعكس إلاّ زاوية ضيّقة من الصورة التي إذا اتسعت لتشمل مواقف “الإخوان” منذ تأسيس الجماعة عام 1928، لأظهرت تحالفاتهم مع كل شخص أو جهة أو دولة يأتي من ورائها “مصلحة”.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى